تصاميم هذه البنايات العجيبة وهندستها اختلفت تبعاً للثقافات والأزمنة التي بنيت فيها ، حيث كانت حضارات مزدهرة لأزمنة طويلة حتى جاء الوقت الذي اندثرت فيه بفعل الطبيعة أو البشر وظل البعض صامداً لأزمنة أخرى وربما إلى بقيت منه آثار إلى يومنا هذا . وفي هذا التطواف السريع سنتعرف على حكاية كل من هذه العجائب وقصة بنائه وشهرته.
عجائب الدنيا السبع القديمة :
هي أماكن تاريخية شيدت في العصر الكلاسيكي، ربما عاد بنائها للقرن الثامن قبل الميلاد، إلا أنها تدمرت جميعها باستثناء الهرم الأكبر في مصر. في الماضي أُطلق على هذه العجائب مسمى (themata)، وهي كلمة يونانية أطلقها رجل يُدعى فيلو عام 2325 قبل الميلاد، وهو الذي اختار هذه البنايات كعجائب ، لكن البعض خالفه في ذلك ، فهيرودوت مثلا رأى المتاهة المصرية مثيرة للإعجاب أكثر من الأهرامات، على كل حال فهذه هي العجائب القديمة وقصتها :
أولها هو الهرم الأكبر (خوفو) في الجيزة بمصر
وهو الهرم الأكبر من بين الأهرامات الثلاثة ، حيث تم بناءه في منطقة الجيزة بمصر في الفترة ما بين 2561-2584 ق.م بأمر من الفرعون المصري خوفو، والذي صار مبرة له بعد موته ، بقي هرم خوفو أطول هيكل انشائي صنعه الإنسان لمدة 4000 سنة، حيث استغرق بناؤه 20 عاماً على يد ما يقارب 350 ألف رجل باستخدام 2.4 مليون كتلة من الأحجار تزن كل واحدة منها 2 طن، يصل ارتفاعه حوالي 480 قدم (146 متراً).
ثاني العجائب هي حدائق بابل المعلقة في العراق
بناها الملك نبوخذ نصر الثاني في الفترة ما بين 605-562 ق.م والتي قدمها هدية لزوجته، ووصفها الكاتب ثيودورس الصقلي على أنها طائرات نباتية ذاتية السقي، وتأخذ شكل مدرجات صخرية يتزايد ارتفاعها بين 23 و92 متراً حيث بالإمكان تسلقها من خلال سلسلة من المدرجات ، وكما ذكر الكاتب أن زوجة نبوخذ كانت تشتاق للجبال والأزهار في بلادها من وقت لآخر ، لذلك أمر الملك ببناء هذا الجبل في بابل من أجلها.
وقد تم تدمير هذه الحدائق بسبب زلزال ضرب المنطقة بعد ما يقرب قرن من بنائها ولم يبق لها أي أثر الآن.
ثالثاً : تمثال زوس في اوليمبيا
تم بناء تمثال زوس داخل معبد أوليمبيا على يد النحات اليوناني فيدياس الذي كان يعتبر حتى القرن الخامس الميلادي أفضل نحات في العالم ، كان الغلاف الخارجي مصنوعاً من العاج والثياب المصنوع من الذهب المطروق، بلغ طوله 12 متراً، وكان الهدف من بناء التمثال بهذا الحجم الكبير هو بث الهيبة والخوف في قلوب المصلين الذين أتوا إلى معبد زيوس.
لقد تعرض النحات فيدياس للانتقاد بسبب الحجم الكبير للتمثال حيث أنه لم يقدِّر نسبه بشكل صحيح قبل البناء، فعلى الرغم من أن زيوس كان يجلس، لكن نظرا لكبر حجم التمثال وطوله الشاهق ظهر وكأنه سيقف ويلامس السقف، وبعد اعتناق الدولة اليونانية المسيحية وحظرها للطقوس الوثنية والتماثيل نقل إلى القسطنطينية حيث تم تدميره بعد ذلك، إما حرقاً، أو كما ذكر البعض بأنه دُمر بفعل زلزال.
الرابع : معبد آرتيميس في افسس بتركيا
أو معبد ديانا بارفسوس (باللغة الرومانية) الذي تم انشائه في افسس داخل مستعمرة يونانية بآسيا الصغرى عام 550 ق.م، استغرق إنشاؤه أكثر من 120 عاماً ثم كان تدميره في ليلة واحدة. بلغت مساحته 129 متراً وارتفاعه 69 متراً يدعمه ـ 127 عموداً كبيراً قد أحاطت بالمعبد من كل نواحيه، بنى هذا المعبد قارون ملك ليديا، واعتُبر هذا الهيكل وقتها واحداً من الهياكل الغاية في الروعة التي بناها الإنسان. لا تزال بعض آثار ذلك المعبد محفوظة في متحف بريطانيا، وقد اُستعمل اجزاء منها في بناء كنيسة القديس يوحنا في افسس.
الخامس : ضريح موسولوس في تركيا
بني هذا الضريح الذي بلغ طوله 31 متراً ، الملك الفارسي موسولوس ، وقد عُرف ايضاً باسم ضريح هاليكارناسوسوذلك عام 351 ق.م، حيث اتخذ موسولوس هاليكارناسوس عاصمة لبلاده وشيد فيها هذا الصرح الذي طلبته منه زوجته التي أرادت أن تصبح هذه المدينة دون مثيل لها على الأرض، ولما توفي موسولوس عام 353 ق.م أرادت زوجته بأن تجعل هذا الصرح ضريحاً له حيث وجدته لائقاً به كونه ملكاً عظيماً.
وقد اشترك في تزيين هذا البناء أشهر المعماريين الإغريق ليشكلوا تلك اللوحة الفنية والتي زينوها بأجمل النقوش، وجعلوا تمثال لموسولوس وزوجته يجلسان في عربة تجرها أربعة خيول على قمة الضريح ، وبفعل الزلازل تدمر البناء واستخدمت حجارته في بناء قلعة لفرسان مالطا عام 1494م.
السادس: تمثال رودس في اليونان
هو تمثال للإله هيليوس من جزيرة رودس، شُيد في الفترة الواقعة بين 292-280 ق.م، يقف هذا التمثال بطول 33 متراً مطلاً على ميناء رودس واقفاً على قاعدتين صخريتين، وهو يشبه تمثال الحرية في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، بُني تمثال رودس بعد هزيمة الجيش الغازي للجزيرة من ديمتريوس عام 304 ق.م.
بقي الصرح صامداً لمدة 56 عاماً إلى أن تعرض لزلزال عام 226 ق.م فحوله خراباً، وقد ذكر المؤرخ ثيوفانيس أن التمثال كان مغطى بالبرونز المقوى بالحديد والذي بِيع بعضاً من أنقاضه لتاجر يهودي نقلها إلى بلاده ثم صهرها فيما بعد.
السابع : منارة الإسكندرية في مصر
بنيت منارة الإسكندرية على جزيرة فوروس بطول 134 متراً بأمر من بطليموس الأول سوتر، و قد اكتمل بناء المنارة عام 280 ق.م، وكانت حينها ثالث أطول هيكل بناه الإنسان بعد الأهرامات ومعبد ارتيميس، فقد كانت هذه المنارة تعكس أشعة الشمس بفعل مرآة في أعلاها وتضاء بالنار ليلاً، وكان بالإمكان رؤيتها من البحر على بعد 57 كم ، بنيت المنارة على قاعدة مربعة و كان البناء فوقها على شكل مثمنات ومن وسطها حتى أعلاها بنيت بشكل دائري، ومن رأى مجدها ذكر بأن الكلمات لا تكفي لوصف جمالها، تعرضت المنارة لزلزال عام 956 م مسبباً أضراراً هائلة فيها، ثم تعرضت لزلزال آخر عام 1303 م ومرة أخرى عام 1323 م، وفي حلول عام 1480 م اندثرت نهائياً، ويقف مكانها الآن قلعة قايتباي التي اُستعملت بعض حجارتها من أنقاض المنارة.
عجائب الدنيا السبع الحديثة
تم اختيار عجائب الدنيا السبع الحديثة من قبل منتج الأفلام الكندي السويسري برنارد ويبر الذي اقترح إجراء تصويت للاختيار من بين 200 صرح أثري تم تشييدهم قبل عام 2000، ولا تزال موجودة حتى إعلان النتيجة، نُظم هذا الأمر من قبل مؤسسة (New7Wonders) في زيوريخ بسويسرا، وأُعلنت النتائج عام 2007 في لشبونة بعد أن صوت أكثر من مليون شخص عبر الإنترنت أو عبر الاتصال الهاتفي، واعتبر هذا التصويت الأكبر في العالم، شملت القائمة سبع عجائب مثل التراث العالمي، وهي:
الأول: سور الصين العظيم
بني في القرن الخامس قبل الميلاد، لكن في القرن السادس عشر الميلادي دُعم السور بالحجارة، وبنيت أرضيته لحماية حدود الإمبراطورية الصينية من غزو المغول، سور الصين عبارة عن سلسلة من الجدران الممتدة على طول 2400 كم، ارتفاعه 10 أمتار، عرضه بين 5-9 أمتار، فيه حوالي 25 ألف برج مراقبة، واستغرق بناؤه حوالي 40 سنة، ذلك جعله أطول هيكل من صنع الإنسان في العالم.
الثاني : تمثال الفادي
أقيم التمثال على قمة جبل كوركوفادو ليطل على مدينة ريو دي جانيرو، تم بناؤه عام 1931، يبلغ طوله 40متراً، صممه الفنان هيتور دا سيلفا كوستا، وكلف بناؤه 250 ألف دولار معظمها من التبرعات، أصبح هذا التمثال رمزاً يميز مدينة ريو دي جانيرو والبرازيل.
الثالث: مدينة ميتشو بيتشو القديمة في بيرو
هي مدينة لحضارة الإنكا، بنيت من الجرانيت بين قمتين شاهقتين لجبال الأنديز، ويعتقد العلماء أنها كانت مركزاً أثرياً مقدساً لعاصمة كوسكو، شيدت في ذروة نمو إمبراطورية الأنكا في منتصف القرن الخامس عشر، لكن في وقت لاحق تخلت الإنكا عن القلعة في هذا الجبل، وبقي الموقع غير معروف إلى أن قام السكان المحليون باكتشافها بمساعدة عالم الآثار هيرام بينغهام عام 1911 م.
الرابع: هرم تشيتشن ايتزا في شبه جزيرة يوتوكان بالمكسيك
أنقاض تشيتشن ايتزايمكنك من خلالها رؤية العبقرية والإبداع والقدرة على التكيف لدى ثقافة شعوب المايا ، هذه المدينة قوية البنيان، كانت في السابق مركزاً تجارياً للقماش والعبيد والملح والعسل، وازدهرت في الفترة الواقعة بين عام 800-1200م، ثم صارت مركزاً سياسياً واقتصادياً لحضارة المايا.
الخامس: مدرج الكولوسيوم الروماني في روما
إن الرمز الأبرز والأشهر في روما بل في إيطاليا هو مدرج الكولوسيوم والموجود حتى الآن ، بني في الفترة الممتدة بين 70-80 للميلاد، وبقي يعمل لمدة 500 سنة، المدرج مبني على شكل هيكل بيضوي يتسع لخمسين ألف متفرج يتجمعون لرؤية الأحداث التي كانت تقوم في المملكة الرومانية مثل الجلد والإعدام وكذلك إعادة تمثيل المعارك ومطاردة الحيوانات، لكن الزلازل وكذلك اللصوص جعلت من هذا المسرح خراباً لم يتبقَ منه سوى أجزاء هياكل مفتوحة للسياح، كما كان تصميمه ملهماً لمدرجات العصر الحديث.
السادس : تاج محل في الهند
هو ضريح لزوجة الإمبراطور المغولي شاه جاهان، تم بناؤه في الفترة ما بين عام 1632-1648 م، واعتبر هذا الضريح العينة الأكثر مثالية والذي يعكس الفن الإسلامي في الهند، الضريح مكسو بالرخام الأبيض وهو مزيج من التصاميم المعمارية الفارسية، الإسلامية، التركية والهندية، يضم المكان حدائقاً بممرات رسمية، كذلك يحتوي على برك مائية تعكس طبيعة المكان.
السابع: البتراء في الأردن
اعتبرت عام 1985 أحد مواقع التراث العالمي، كانت البتراء عاصمة مملكة الأنباط أيام حكم الملك الحارث الرابع في الفترة الممتدة بين 9 قبل الميلاد إلى سنة 40 ميلادياً، أصحاب هذه الحضارة أثبتوا أنهم الخبراء الأوائل حين استطاعوا التلاعب بتكنولوجيا المياه وبناء الأنفاق المعقدة وغرف المياه داخلها، فساعد ذلك بأن تكون البتراء واحة صناعية، الهياكل المنحوتة في الصخر والمقاعد التي تبلغ 4000 مقعداً بالإضافة للدير الموجود هناك، جميعها أمور جعلت هذا الموقع يكسب شهرته.
في نهاية رحلتنا .. هناك الكثير من أعمال الإنسان التي شيدت عبر التاريخ تستحق أن تكون من بين تلك العجائب، لكن هذا جزء قد ذكرناه ربما يعكس رحلة الإنسان على تلك الأرض التي استعمره الله فيها .
تعليقات
إرسال تعليق