يؤكد المفكر الأمريكي المعروف ناعوم شوميسكي في عدة محاضرات له على الفروق الدقيقة بين العبودية القديمة وهي عبودية الرقيق وبين عبودية الوظيفة ، حيث يقول " قديما كان الرقيق يباعون ويُشترون، أما الآن فإن البشر يؤجرون ، ولا يوجد كبير فرق بين أن تبيع نفسك أو تؤجرها".
والاعتقاد السائد أن الفرق الوحيد بين العمل مقابل أجر والعمل كرقيق هو أن الأول مؤقت والثاني دائم.
هذه المقارنات تثير تساؤلات حول مدى التشابه والاختلاف بين الوظيفة الحديثة والرق القديم . إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عنالرق هو العمل الشاق طوال العام من أجل السيد في الوقت الذي يأخذ فيه الموظف إجازة أسبوعية أو سنوية، لكن هل هذه الصورة تعبر عن الواقع بشكل صحيح؟
في عام 2013 نشرت شبكة رويترز العالمية مقالة مثيرة للدهشة بعنوان "لماذا كان للفلاح في العصر الوسيط وقت إجازة أكثر منك؟"، ذكرت المقالة بأن الفلاح في عصر القديم بينما كان مستعبداً تحت سيده الإقطاعي كان يحصل على إجازات سنوية تتراوح بين 8 أسابيع إلى 6 أشهر، لكن بعد دخول عصر الثورة الصناعية ثم عصر التطورات التكنولوجية ، أصبح عدد أيام الإجازة سنويا للموظف العادي 8 أيام سنويا فقط. وهو ما يظهر أن ظروف الاستغلال الطبقي اتجهت إلى الأسوأ وليس إلى الأحسن.
وكان الوضع قديماً أن الرقيق إذا رفض العمل لدى سيدهم ، فإنهم كانوا يتعرضون إلى العقوبات الجسدية أو الحرمان من الطعام، وفي إطار سوق الوظائف الحالي، فإن الموظف إذا رفض القيام بما هو مطلوب منه في العمل فإن الخيار الوحيد أمامه هو الاستقالة من الوظيفة، وهو ما يعني الدخول في فترة فقر وحرمان من الطعام إلى حين حصوله على وظيفة أخرى. لكنّ فارقا جوهريا تحوزه الوظيفة، وهي قدرة الموظف على ترك وظيفته والانتقال إلى عمل آخر، وهو الامر الغير متاح في نظام الرق، الذي يمتلك فيه السيد رقبة العبد. لكن هذا لا يمنع تغير مساحات الاستغلال من صورة إلى صورة.
هكذا إذن تستمر حلقات استغلال الإنسان للإنسان، وتبعية فرد لآخر، فمنذ تأسيس المجتمعات الإنسانية تاريخيا سواء فترة النمط الزراعي للحياة التي قامت على أسواق العبيد، إلى حين حصول الثورة الصناعية التي نتج عنها سوقا للموظفين والعمال، لا تبدو الأحوال الاقتصادية للعبيد أو الموظفين مختلفة كثيراً ، وبمجرد أن تحرر الناس من ذل العبودية حتى وجدوا أنفسهم مكبلين بقيود الوظائف، وهو ما دفع الكثير من الحركات والمفكرين إلى صك مصطلح "عبودية الأجر" للتشبيه بينه وبين عبودية الرقيق.
جاء الإسلام وضيق سبل الرق وجعله سبيلاً واحداً وهو السبي في الحروب وجعل منافذ تحرير العبيد متنوعة منها أن يشتري العبد نفسه أو يعتقه سيده ككفارة أو لوجه الله ونهى عن بيع الحر وأكل ثمنه ، ولذلك تجد كثيرا ممن كانوا عبيدا في ديار المسلمين قد صاروا تجارا وحكاماوادة جيوش وعلماءوهذالم نجده في عبودية الحضارة الأوروبية التي بمجرد أن حررت العبيد من الاقطاع الزراعي نقلتهم إلى المصانع في عصر الثورة الصناعية.
تعليقات
إرسال تعليق